يميز التفكير الناقد Critical Thinking بين الصواب والخطأ، وبين الحقيقة والوهم، وبين المعلومة والرأي، مما يؤدي إلى التمكن من اتخاذ القرار السليم والرأي الصحيح، وفهم المواقف ومعالجتها بناءً على تقييم وتحليل الحقائق والمعلومات.
التفكير الناقد هو تقييم وفحص وتحليل دقيق للحقائق من أجل بناء الأحكام والاستنتاجات التي تمكّن من اتخاذ القرار. ويتميز بأنه متشكك وعقلاني وغير متحيز.
إذ يعتمد على التشكيك في الأفكار والافتراضات بدقة بدلًا من قبولها في ظاهرها. يسعى التفكير الناقد دائمًا إلى تحديد ما إذا كانت الأفكار والحجج والنتائج تمثل الرؤية بأكملها.
يتمكّن التفكير الناقد من الإحاطة بكيفية طرح الأسئلة وتعليلها، ويدعو إلى بذل جهد مستمر لتفحص أيِّ اعتقاد أو استنتاجات أخرى تنتج عنه.
لا يقتصر التفكير الناقد على جمع وتحليل الحقائق والمعرفة فقط؛ بل يعد طريقة للتعامل مع كل المواقف للوصول إلى أفضل نتيجة ممكنة. يركز المفكر الناقد على التعمق وتوسيع المعرفة باستمرار، ويشارك في التعلم الذاتي المستقل. للوصول إلى مستويات عالية من تطوير وتحقيق الذات. ومن أهم سمات وصفات المفكر الناقد ما يلي:
يعد التفكير الناقد مهم في مختلف مجالات الحياة، وفي أي موقف يتطلب التفكير والتحليل والتخطيط، وهو ضروري للأداء الأكاديمي الجيد والتقدم الوظيفي. وتتمثل أهميته في النقاط التالية:
يعد التفكير النقدي جانب أساسي لأي مهنة، من أجل استنتاج المعلومات بموضوعية دون تحيز، وتحليل السياق، وحل المشكلات، والتوصل إلى حلول واقعية. إذ تتمثل أهمية التفكير الناقد في القانون، والتعليم، والبحث، والطب، والتمويل، والعديد من المجالات المهنية الأخرى.
يمكن أن يساعد التفكير النقدي في أي مهنة من خلال:
يساعد التفكير الناقد على اتخاذ أفضل القرارات السليمة مهما كانت معقدة، مثل اتخاذ خطوة مهنية، مما يشجع على البحث، وتفضيل المنطق الموضوعي على ردود الفعل العاطفية الأولية.
يضمن التفكير النقدي أن تكون القرارات مستنيرة وتستند إلى أفضل الحقائق المتاحة.
يساعد التفكير الناقد الفرد على فهم نفسه ودوافعه وأهدافه بشكل أفضل. فعند التمكن من استنتاج المعلومات للعثور على أهم التفاصيل وتطبيقها على الحياة، يتمكن الفرد من تغيير وتعزيز تطوير الذات والسعادة بشكل عام.
في عصر يتمتع فيه الأفراد بإمكانية الوصول إلى المعلومات أكثر من أي وقت مضى، يتفوق المفكر الناقد في البحث والعثور على أهم المعلومات والحقائق التي تجعله على دراية جيدة بأي موضوع. وتنعكس فائدته في المناقشات في مكان العمل، وكقائد فكري في بيئة العمل.
يتمتع المفكر الناقد بالقدرة الكامنة على رؤية التحديات والصعوبات من عدة زوايا. من خلال تشتيت رد الفعل في الدفاع عن المعتقدات الشخصية، إذ يصبح أكثر انعكاسًا للذات، ويمكنه تغيير رأيه في ظل المعلومات والحقائق الجديدة.
تعد القدرة على حل المشكلات مهارة أساسية مطلوبة للتكيف مع التغييرات ومواجهة التحديات، من خلال الصبر والتفكير بعمق وتحليل جميع المعلومات والجوانب السلبية والايجابية، والحصول على الاستنتاجات، لإتخاذ القرار الصحيح.
التفكير النقدي هو المفتاح لخلق الاستقلال، وبناء الثقة في القدرة على اتخاذ القرارات السليمة. إذ يمنح التفكير الناقد الشجاعة للوقوف أمام التحديات. ويسمح بتحديد المشكلة، وتحليلها، وتطوير الأفكار حول كيفية حلها، واختيار أفضل الإجراءات الممكنة.
التفكير المستقل هو أحد أهم مهارات المفكر والقائد الناجح. ويميل المفكر إلى اكتساب المزيد من الثقة عندما تأتي النتائج الإيجابية.
يساعد التفكير الناقد على اكتشاف جذر المشكلة بدلًا من الخلط بين عواقب المشكلة وجوهرها. يعتمد المفكر الناقد على شمولية ودقة الأسئلة الفعالة للأفكار بمنظور واسع، بدلًا من تلقي الإجابات التي طورها شخص آخر. عند المرور بخطوات التفكير النقدي، تصبح المشكلات الكبيرة واضحة وسهلة من خلال معرفة النهج الأنسب لحلها.
يصقل التفكير الناقد مهارات البحث، ويساعد على البحث بدقة من خلال المراقبة والتحليل وتجريب كل جانب بالتفصيل للحصول على نتيجة أفضل.
يثير التفكير الناقد الفضول لإيجاد الحل المناسب للمشكلة أو الموقف. مما يشجع على البحث والتعمق للحصول على نتيجة أفضل. ويؤدي إلى تحقيق المعرفة الواسعة في مختلف مجالات الحياة.
يجعل التفكير الناقد الفرد أكثر انفتاحًا وقدرة على فهم وجهات نظر الآخرين. فالمفكر الناقد هو أكثر تعاطفًا وقدرة على التوافق مع أنواع مختلفة من الناس. إذ يمنع التفكير النقدي القفز إلى الاستنتاجات، ويعتمد على صوت العقل دائمًا.
يشجع التفكير الناقد مجموعة واسعة من وجهات النظر حول قضية معينة. لذلك، يمكن التعرف على المعلومات والأفكار الجديدة والشخصيات التي تشاركها نفس الأهداف. مما يؤدي إلى تطوير الذات والقدرات العقلية. ويساعد على التفكير في القيم المهمة وتبريرها. ويحسن الأداء الأكاديمي للفرد. كما أنه يساعد في تحديد الأهداف طويلة المدى وقصيرة المدى.
تؤثر القرارات المتخذة على نوعية الحياة العملية والمهنية والشخصية. وللحصول على حياة أفضل وأكثر نجاحًا وسعادة، لا بد من اتخاذ خيارات واعية من خلال تطوير مهارات التفكير الناقد، ومن أهمها:
يساعد الاهتمام بالتفاصيل ودقة الملاحظة الأشخاص على الانتباه سريعًا لوجود أزمة أو مشكلة ما، وتعد أهم خطوة في حل أي أزمة هي تحديد المشكلة، وهذه أول خطوات التفكير الناقد.
التحليل أعمق من مجرد التصنيف، إذ يركز التحليل على الأسباب وجمع المعلومات وتقييمها ومقارنتها والتأكد من صحتها، وطرح الأسئلة وإيجاد الأجوبة المختلفة؛ للوصول إلى الخيار الأمثل من بين الأطروحات المتباينة، وهذه المهارة أساسية في التفكير الناقد.
يعتمد التفكير الناقد على طلب الدليل والبرهان، والبحث المتعمق عنه، وتفسيره والتأكد منه. والاستدلال لا يكون على النتائج فقط، بل على المقدمات كذلك، ويعتمد على طرح نوعية من الأسئلة أهمها:
ما الدليل على وجود مشكلة؟
ما الدليل على صحة المعلومات المقدمة؟
ما الدليل على صحة الافتراضات؟
هل هذا حقيقة أم رأي، وما الدليل؟
لا شك في أن محاورة ومناقشة ذوي الخبرة في المقدمات والنتائج التي تم التوصل إليها من شأنها أن تعزز من صحة النتائج، وأن تُقَوِّم منها إذا كانت غير ذلك؛ لأن المحاورة والمناقشة غالبًا ما تؤدي إلى الصواب.
يتضمن تحديد أنسب الحلول للمشكلة المطروحة من بين الخيارات، وتعد آخر خطوات التفكير الناقد.
هناك ثلاثة أنواع أساسية للتفكير النقدي يستخدمها المفكر الناقد للوصول إلى أفضل الخيارات، وهي:
هو الاستنتاج من المعلومات المطروحة المعممة أي غير الدقيقة والتفصيلية، مثال: الموظف دائم التأخر والغياب، هذه المعلومة غير تفصيلية ولا يوجد غيرها، فيكون الاستنتاج أن الموظف إما مهمل، وإما لديه مشكلة.
وهو استخلاص بعض النتائج من الحقائق المطروحة في موضوع ما، مثال: الموظف دائم التأخر والغياب عن العمل، لكنه رفيع الخلق وملتزم؛ إذًا هو ليس مهمل لكن لديه مشكلة ما، وهنا يأتي دور الرئيس الناجح الذي يظل خلف الموظف حتى ينجح، فيناقشه ويحاول معرفة المشكلة ويسعى معه في حلها، وذلك لنجاح الشخص والمكان.
وهو التمييز بين النتائج المحتملة أيها أكثر رجحانًا وقبولًا، ثم استبعاد النتائج الضعيفة والأقل قبولًا.
ازدادت أهمية التفكير الناقد في العصر الرقمي عن السابق بشكل أكبر. فبالرغم من قدرة الأدوات والأجهزة على جمع كميات كبيرة من المعلومات وتنسيقها بشكل قابل للقراءة والاسترداد، إلا أن تحليل هذه البيانات والتحكم فيها لازالت مهارة يتحكم بها البشر.
على سبيل المثال، في مجال المحاسبة، توفر برامج المحاسبة والمنصات العديد من مهام المحاسب القديمة مثل: إنتاج بيانات الأرباح والخسائر، وإعداد الحسابات، وإصدار الفواتير، وإنشاء الميزانيات. إلا أنه بدلًا من ذلك، انصب تركيز المحاسبين على إضافة قيمة حقيقية للعملاء من خلال تفسير البيانات التي جمعتها هذه التكنولوجيا، واستخدامها في تقديم نتائج وحلول لكيفية التحسين والتطوير. بالإضافة إلى تركيز جهودهم على دراسة الاتجاهات المالية القديمة، وتحليل بياناتها للتنبؤ بالمخاطر المحتملة.
يعد التفكير الناقد المهارة الأساسية التي تتضمن كل هذه الممارسات، والتي تتمثل في القدرة على تحليل كمية كبيرة من المعلومات، واستخلاص النتائج من أجل اتخاذ قرارات أكثر فعالية للمستقبل. وهنا يكمن السر وراء تميّز ونجاح بعض المؤسسات عن غيرها والقدرة على التفوق عن المنافسين، ومدى سهولة الاستجابة للمخاطر، وتقديم قيمة أكبر للعملاء، إذ أصبحت كل مؤسسة بحاجة ماسة إلى أشخاص يمتلكون مهارات قوية في التفكير الناقد.
تعد القدرة على النظر إلى المواقف بموضوعية من أهم جوانب عملية التفكير الناقد، وتظهر أهميتها عند تعيين موظفين جدد، فلا تقتصر هذه المهمة فقط على تحليل عدد كبير من السير الذاتية لاختيار أفضل المتقدمين، بل يجب أن يكون الاختيار مبني على النظر بموضوعية، أي عدم التحيز لشخص عن سواه تبعًا لعمره، أو جنسه، أو أصله أو أي عامل آخر.
وتكمن المهارة في القدرة على إثبات كفاءة اتخاذ القرار بأقل قدر ممكن من الذاتية، وبالتالي امتلاك الموضوعية التي تعد أساس التفكير الناقد. إذ يعد توظيف المواهب المناسبة أمرًا ضروريًا لبقاء الشركة. فلا ترغب أي شركة في خسارة أفضل المرشحين بسبب التحيز اللاواعي لشخص ما، مما يوضح مدى أهمية هذا النوع من المعرفة في العمل.
ربما تمتلك بالفعل بعض هذه المهارات، لكن التميز ليس له حدٌّ تقف عنده، بل عليك أن تسعى لتحسين مهارات التفكير النقدي لديك، وإليك أهم هذه الطرق:
أكثر أنواع التحيز المعرفي شيوعًا التي يجب تجنبها هي:
إن معرفة وتحديد الهدف بالضبط هو الخطوة الأولى في التفكير الناقد. كل قرار يُتّخذ له هدف أو غرض مرتبط به وتحديد ما هو بالضبط، يشكل نقطة بداية للعمل معه. لذا يجب البدء من الأسئلة التالية: ماذا أريد؟ ماذا أتوقع أن تكون النتائج؟
يتمثل في تقييم العواقب المحتملة التي قد تنشأ عن كل خيار من الخيارات، واختيار الخيار الأكثر فائدة مع الحد من الآثار السلبية على الآخرين.
وأفضل طريقة لذلك هي كتابة قائمة بالإيجابيات والسلبيات. فمن خلال التفكير في كل نتيجة إيجابية محتملة جنبًا إلى جنب مع كل نتيجة سلبية محتملة، يمكن اتخاذ قرار أكثر استنارة.
يتطلب التفكير النقدي أحيانًا التخلي عن المعتقدات لحل المشكلات. إن الإحجام عن التعلم أو البحث أو اكتساب معتقدات جديدة سيعيق فقط ولن يساعد في التفكير النقدي.
فمن خلال قضاء بعض الوقت في إجراء البحث والتركيز على التعلم، يمكن بمرور الوقت التطور والتأقلم للتغلب على المواقف الجديدة وتحسين التفكير الناقد.
لا يقبل معظم الأشخاص الاعتراف بالخطأ مما يمنع التفكير الناقد. يجب التحقق دائمًا من حلول المشكلات، والتفكير في الخيارات الجديدة والاعتراف بالأخطاء، والتعلم منها بدلًا من الإصرار عليها.
يعد العمل مع العديد من الأشياء الصغيرة، مهمة أسهل من محاولة حل الصورة الأكبر. لذا يجب التفكير في الأمر من حسب الخطوات: ما هو أول شيء يجب فعله؟ من خلال وضع قائمة بالأولويات والتسلسل الزمني. إذ إن تناول مشكلة كبيرة وتقسيمها إلى عدة أجزاء، يساعد في البدء بالنظر إلى الحلول، بدلًا من قضاء الوقت في غمر المشكلة.
وختامًا، يتمثل التفكير الناقد بالموضوعية، والحياد، والشجاعة، والثقة بالفكر مع التواضع، والاعتراف بالنقص، يجب افتراض الخطأ للتوصل إلى الصواب، والشك للوصول إلى اليقين، وليكن العقل هو القائد. بغير هذا لا يكون التفكير الناقد، وبغير التفكير النقدي لا يمكن الوصول إلى الهدف، ولن يتحقق الطموح والتطور المستمر.